تعد قضية "العنوسة" من أخطر القضايا الاجتماعية لما يترتب عليها من نتائج وآثار وظواهر اقتصادية واجتماعية وسياسية أكثر خطورة لعل من أبرزها الزواج العرفي وما يترتب عليه من تصدع اجتماعي وأسري والذي غالبا ما تكون ساحات المحاكم هي الفصل الأخير في إنهاء هذه العلاقات خاصة فيما يتعلق بإثبات البنوة وكذلك انتشار زواج المتعة أو زواج المواسم، فضلا عن العديد من الظواهر غير الأخلاقية.
تؤكد الدكتورة عزة كريم الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر على خطورة ظاهرة العنوسة لما لها من آثار نفسية واجتماعية قاتلة على الفتيات أولا وأيضا لما لها من نتائج اقتصادية وسياسية واجتماعية وأخلاقية غاية في الخطورة وهو ما تظهر تبعاته مع تراكم المشكلة وظهور مشاكل اشد خطورة تتولد عن العنوسة.
وحذرت كريم من بروز العديد من المشكلات التي قد تعجز الدول والمجتمعات العربية بصفة خاصة على مواجهتها أو القبول بها مثل الزواج العرفي بأنواعه المختلفة، والتي تفنن الشباب العربي في ابتكارها للتحايل على العقبات التي تعترض زواجهم وكذلك انتشار زواج المتعة أو زواج المواسم، فضلا عن الانحدار الأخلاقي وانتشار البغاء والرذيلة والشذوذ وغيرها من الظواهر غير الأخلاقية وما يترتب عليها أيضا من ظواهر أطفال الشوارع واللقطاء.
وأشارت في هذا الصدد إلى الدراسة التي أعدها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء والتي أكدت ارتفاع نسبة غير المتزوجين بين الشباب المصري إلى 37 في المئة، وأن عدد الشبان والشابات العوانس، الذين تجاوزوا الخامسة والثلاثين من دون زواج، وصل إلى أكثر من 12 مليون نسمة من تعداد السكان البالغ 75 مليون نسمة، مشيرة إلى أن هذه الأرقام هي ترجمة فعلية لظاهرة خطيرة بدأ يعاني منها المجتمع المصري لاسيما في السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة العنوسة التي استهدفت الفئات الوسطى.
وللتدليل على خطورة القضية، نوهت كريم بدراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والتي أكدت وجود أكثر من 17400 دعوى لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفي أو زنا، وكذلك الزيادة المطردة والملاحظة في أعداد اللقطاء المعثور عليهم أمام المساجد أو المساكن أو في صناديق القمامة، وعودة ظاهرة قتل المواليد من سفاح.
ومن جانبها، أرجعت الدكتورة داليا عبد المؤمن أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أسباب ظاهرة العنوسة في الوطن العربي إلى ارتفاع المهور والمغالاة فيها في المجتمعات العربية، فضلا عن التشدد في تحديد مواصفات عش الزوجية والأثاث، والتي تفوق بلا شك قدرة ودخول أغلب الشباب العرب.
وأشارت عبد المؤمن إلى الدور المهم الذي تلعبه البطالة في ارتفاع معدلات العنوسة، مشيرة إلى أن تراجع حجم الوظائف وفرص العمل أمام الشباب أصبح هاجسا يؤرق كل شاب ويجعله يفكر ألف مرة قبل التفكير في مشروع الزواج والذي يري أنه باهظ التكاليف ولا يستطيع الوفاء بالتزاماته تجاهه خاصة في ظل المغالاة في المهور، وإذا وجد الشاب عملا فإنه يتعذر عليه العثور على مسكن لائق ليتزوج فيه، وهكذا يمتنع عن الزواج ما دام غير قادر ماديا.
وحول كيفية التصدي لهذه القضية التي يمكن أن تعصف بالمجتمعات العربية واستيعاب نتائجها وإفرازاتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية، يؤكد الدكتور جمال شديد أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر على أهمية أن يسود مبدأ التكافل الإسلامي بين المسلمين وأن نعود إلى تعاليم الأديان الإسلامية في عدم التبذير وألا يكون هناك لا إفراط ولا تفريط في مظاهر والتزامات الزواج وأن نتحلل من تلك الأعباء المظهرية التي لا طائل منها وذلك التقليد الأعمى والرغبة في المحاكاة بغض النظر عن إمكانية تحقيق ذلك أو التعرف على الأعباء التي يمكن أن تتسببها سواء في الحاضر أو في المستقبل القريب.
وطالب شديد بأن يلعب المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية دورا فاعلا في التصدي لهذه الظاهرة وأن يتم التوسع في إقامة المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية العاملة في مجال تيسير وتسهيل الزواج بعيدا عن ألاعيب النصب والاحتيال التي قد يقدم عليها البعض رغبة في تحقيق مكاسب من هذا الموضوع بدلا من الخدمة العامة للمجتمع.
البيان