بسم الله الرجمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
مرحلة الشباب هي المرحلة الوحيدة من مراحل العمر التي يفرح الإنسان بأن ينسب إليها، فإذا قلت لطفل صغير أنه مازال طفلاً، يغضب ويثور ويتطاول بقامته ويقول: "كلا بل أنا شاب فتي، وجرِّبني في أصعب المسئوليات ستجدني كذلك".
وإذا قلت لشيخ عجوز أنه قد طعن في السن، يغضب ويثور ويضرب صدره بقبضته عدة ضربات متتالية قوية متحملاً آلام قبضاته وسعال صدره أحياناً، ثم يصيح: "بل ما زلت شابًا بكامل قواي الجسدية والنفسية والذهنية".
وكأن الناس جميعًا لا يرضون إلا بأن يكونوا في مرحلة الشباب، ولكن للأسف نرى بين بعض الشباب من يحتاج إلى من يذكره بأنه شاب، ليس بطفل ولا شيخ مُسن.
أعرف من الشباب من تجاوز العشرين من عمره وهو بعد مازال مدمناً لألعاب الكمبيوتر، يتتبع هذه الألعاب لا أقول الساعات تلو الساعات، بل -والله- أياماً متتالية في نفس اللعبة!!
ألا يحتاج هذا إلى من يقول له إنه لم يعد طفلاً؟!
وكذلك منهم من يفر ويتهرب من المسئوليات الاجتماعية والأسرية فضلاً عن المسئوليات الدعوية، وما ذلك إلا لغفلته عن طبيعة المرحلة التي يحياها.
ومن الشباب من تنصحه بتغيير عادة في حياته، كالتدخين أو سرعة الغضب أو غيرها، فتجده مقطب الجبين عابس الوجه، تبدو عليه علامات العجز قائلاً: "قد تعودت على ذلك"، كأنه منذ مئة عام وهو مداوم عليها!!
ألا يحتاج هذا إلى من يقول له: إنك لست شيخاً مسناً، بل ما زالت شاباً لك قوة وعزيمة؟!!
وكذلك حين تُعرض على الشباب المشروعات طويلة الأمد لخدمة الإسلام والدعوة، مثل حفظ القرآن وتفسيره، أو الحديث وشروحه، أو المواظبة على مناهج شرعية حتى الانتهاء منها، يقول: "ومن يستطيع أن ينتهي من كل هذا؟! ومن أين لنا الوقت والجهد؟!
ألا يحتاج هذا إلى من يقول له: "أين عزيمة الشباب وأحلامه وطموحاته؟! وأين روح التحدي لكل المصاعب مهما كانت؟!!
أخي الشاب:
أنت بكل المقاييس في الفترة الذهبية من عمرك، فبالمقاييس النفسية والجسدية والواقعية والتاريخية -وقبل كل ذلك وبعده؛ بالمقاييس الشرعية- أنت في مرحلة خاصة، بل بالمقاييس اللغوية! فالشباب مشتق من شبت النار إذا استعرَّت وزاد لهيبها.
أفلا تتذكر هذا المعنى حتى تدرك طبيعة المرحلة التي تحياها؟
أخي الشاب -لا أخفي عليك سراً- أنا أيضاً أحتاج إلى من يذكرني بما يجب أن أكون عليه في هذه المرحلة.
فعلى الجانب الفكري مثلاً، أجد في نفسي النمطية في التفكير، وعلى الجانب النفسي، يغلب عليَّ في بعض الأحيان معنى الإحباط وسرعة الاستجابة للمخذلين، والركون إلى العقبات وقلة المثابرة على تجاوزها.
بل حتى على الجانب الجسدي؛ تجد أن حياة الرفاهية والترف قد غلبت على كثير من الشباب فضعفت قواهم وتراخت عضلاتهم، فلا يستطيع أحدهم أن يجري مئة متر متواصلة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما على جانب العبادات والطاعات والاستعداد لليوم الآخر فأوضح من أن يذكر، وقد قالت حفصة بنت سيرين:
"يا معشر الشباب اجتهدوا فإني رأيت العبادة في الشباب".
هذا، وقد منَّ الله على كثير من الشباب المقبل على الخير المتمسكين بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعمرين لبيوت الله فسلموا من أغلب هذه الآفات، وحسبك دليلاً على كثرتهم أنك لا تحتاج إلى جهد كبير حتى تجدهم، إنهم حولك في بيوت الله ومساجد السنة، فأوقظ روح الشباب في نفسك، وابحث عمَّن يعينك على طاعة ربك، والاهتمام بقضايا أمَّتك، والعمل على الخروج بها مما هي فيه من ضعف واستضعاف.
ومما يعينك أيضاً على إحياء روح الشباب في نفسك أن تطالع سير الصحابة -رضوان الله عليهم- والصالحين من بعدهم، فما أن تقرأ سيرة مصعب بن عمير أو علي بن أبي طالب أو أسامة بن زيد ومن شابههم إلا وترتفع همتك وتقوى عزيمتك.
هذا زيد بن ثابت -رضي الله عنه- ذلك الشاب ماضي العزيمة الذي لم يعرف المستحيل، أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتعلم له لسان اليهود فحذقه في خمسة عشر يوماً، وهو أيضاً لا يتهرب من المسئولية؛ وإن كانت أضخم المسئوليات في تاريخ الإنسانية كلها كمهمة جمع القرآن التي عهد بها إليه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قائلاً:
"إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وهنا أوجه سؤالاً إلى نفسي، متى يأتيني من يقول لي: إنك شاب عاقل لا نتـَّهمك ونحتاج إلى كذا وكذا من المهام لنصرة الدين؟ وهل أنا أهل لذلك؟
أرجو الله العلي القدير أن يجعلنا على ما يحب، وأن يستعملنا في نصرة دينه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.